وضع داكن
22-11-2024
Logo
أحاديث قدسية - الدرس : 17 - إذا ابتليت عبدي.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

إذا قبض الله لعبد حبيبتيه عوضه بهما الجنة :

 أيها الأخوة، أخرج الإمام البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه تعالى أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

((إن الله تعالى قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه - يريد عينيه - ثم صبر عوضته منهما الجنة))

[البخاري عن أنس بن مالك ]

 هذا الحديث له نص وله مدلول، فإذا قبض الله لعبد حبيبتيه، أي عينيه، عوضه بهما الجنة، يقاس على ذلك أن كل إنسان ابتلاه الله بشيء:

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ﴾

[ سورة البقرة الآيات: 155]

 ورضي بذلك، وصبر على ذلك، بل شكر الله على أنه أعانه على الصبر، فهذا له عند الله أجر كبير.

 

الدنيا دار ابتلاء و الآخرة دار جزاء :

 الإيمان هو الصبر، الإنسان حينما يؤمن أنه في الدنيا هو في دار ابتلاء، وليس في دار جزاء، دار الجزاء في الآخرة، لذلك الحظوظ، سلامة الحواس، أو نقص بعضها، موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، يجب أن تعلم أن لك عند الله زمرتي امتحانات، زمرة إيجابية، وزمرة سلبية، أعطاك صحة أول امتحان هذه الصحة كيف أنفقتها؟ هذه الصحة كيف استعملتها؟ في طاعة أم في معصية؟ أعطاك طلاقة لسان، هذه الطلاقة استخدمتها في الحق أم في الباطل، أقنعت المؤمنين بالإيمان ومعرفة الله أم أقنعت الإنسان الحيادي في الفسق والفجور؟ روجت الحق بهذا اللسان الطليق أم روجت الباطل؟ من أمكنه الله من طلاقة اللسان هو مادة امتحانه مع الله.
 أعطاك الله مالاً يمكن أن تنفقه في آلاف وجوه الخير، ويمكن أن ترقى به إلى أعلى عليين، ويمكن أن تنفقه في آلاف وجوه الشر، ويمكن أن تهبط به إلى أسفل السافلين، والمال واحد.

الحظوظ حيادية سلم يرقى بها الإنسان أو دركات يهوي بها :

 أدق فكرة أيها الأخوة الحظوظ حيادية، إنها سلم ترقى بها، أو دركات تهوي بها.
 المال: ليس نعمة كما أنه ليس نقمة، قيمة مجمدة حيادية، كيف تنفقه؟ من طريقة إنفاقه يُقيّم.
 المرأة: ليست نعمة وليست نقمة، كائن حيادي، تتزوجها نعمة، يزني بها الإنسان نقمة، هي هي.
 المال، المرأة، المنصب الرفيع تعلو به على خلق الله، تتفنن في تعذيب الناس، تتفنن في إحراجهم، في ابتزاز أموالهم، في الاستعلاء عليهم، نقمة، فاجعلوا هذا المنصب في خدمة عباد الله، تنصف الفقير، تعطي كل ذي حق حقه، انقلب هذا المنصب إلى نعمة.
 الابن: يعنيك من ابنك صحته وتحصيله، ولا يعنيك أخلاقه ولا دينه، فقد تعينه على معصية، نقمة، تعتني بإيمانه وأخلاقه، نعمة.
 اعتقد جازماً أنه ما من حظٍ من حظوظ الدنيا يؤتيك الله إياه إلا هو مادة امتحانك مع الله، مقرر، إما أن تنجح وإما ألا تنجح.

 كل شيء مع الإنسان وكل شيء لا يملكه هو مادة امتحانه مع الله :

 الآن عندنا زمرة ثانية من المقررات، الزمر السلبية، لم يكن لك زوجة كما كنت تريد، يقول لك: هكذا نصيبي، هذا امتحان، هل تهينها؟ هل تعاملها كزوجة؟ هل تنتقصها دائماً؟ هل توقعها في حرج وفي يئس منك أم تصبر وتعاملها كزوجة حتى يرضى الله عنك وتحتسب إخفاقك في انتقاء الزوجة عند الله عز وجل؟ والزوجة الجيدة أيضاً مادة امتحانك مع الله، هل من أجل أن تبقى راضية عنك ترتكب المعاصي والآثام؟ هل تأكل المال الحرام كي تبتسم لك؟ أيضاً امتحان، يجب أن تعلم أن كل شيء معك وكل شيء لا تملكه هو امتحانك مع الله.

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 30]

 أنت في دار امتحان، وكل شيء مسجل عليك.

﴿ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا ﴾

[ سورة آل عمران: 181]

 القصص كثيرة، وقد يعاقب الله بعض الناس في الدنيا ردعاً لبقية الناس، وقد يكافئ بعض الناس تشجيعاً لبقية الناس، ولكن رصيد الحساب يوم القيامة.

﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

[ سورة آل عمران: 185]

خيارات العمل الصالح لا تعد ولا تحصى :

 الإنسان حبذا لو كتب على ورقة قائمة الحظوظ التي منحه الله إياها، أعطاك أولاداً، هناك إنسان لا يوجد عنده أولاد، عقيم، وهناك إنسان ليس متزوجاً، هناك امرأة متزوجة، ولها زوج غني، لكن همها إن التقت بأخواتها أو جاراتها أو صديقاتها أن تبين لهم كيف ينفق زوجها عليها، وماذا اشترى لها في العيد، وكيف أهداها، وكيف غيرت فرش البيت كله بإشارة منها، وكيف، وكيف، لعلها تحرق قلوب الفقيرات من زميلاتها، وقد تكون زوجة لرجل غني فإذا جلست مع أخواتها تحدثت عن الله عز وجل، وبينت لهم عظمة هذا الدين، وأعانتهم على متاعبهم الدنيوية فربحت، العبرة أن تنجح في امتحانك مع الله، الفقر امتحان والغنى امتحان، القوة امتحان و الضعف امتحان، قال لي أحدهم: نحن في أمس الحاجة -وهو في مركز قوي - إلى قيم، لأن اليد طليقة، والإنسان حينما يكون قوياً، أو حينما يكون غنياً، قد ينزلق في الاستعلاء، وقد ينزلق في الظلم دون أن يشعر.
 هناك حكمة بالغة من أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما خُيّر بين أن يكون نبياً ملكاً، وبين أن يكون نبياً عبداً، قال: بل نبياً عبداً يا رب، أجوع يوماً فأذكره، وأشبع يوماً فأشكره.
 أي من مئة غني ينجح خمسة، لكن من مئة فقير ينجح تسعون، الفقر أقرب للعبودية لله عز وجل، الفقر والضعف أقرب، لكن الغنى والقوة أقرب إلى مزلة القدم، لكنك لو أنك غني مؤمن الآن خياراتك في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى، لو أنك قوي مؤمن لك مركز حساس خيارتك في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى.

الابتلاء مادة امتحان الإنسان في الحياة الدنيا :

 أقول مرة ثانية: إن كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تكون غنياً، لأن الخيارات التي تمتلكها كبيرة جداً، يمكن أن تلقي الفرحة في قلوب آلاف الأسر، يمكن أن تحل مشكلات مئات الأشخاص، يمكن أن تزوج الشباب، يمكن أن تجري عمليات جراحية للفقراء، يمكن أن تنشئ مستوصفات، مياتم، يمكن أن توزع الطعام، أن توزع الخدمات، خيارات المؤمن الغني في العمل الصالح كبيرة جداً، لكن الغنى مزلة قدم، العبرة أنك أنت في هذه الدار في دار امتحان:

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 30]

 يجب أن تكتب في قائمة المقررات الإيجابية والسلبية، هناك إنسان عنده جهاز هضم متعب، يعاني من سوء الهضم، والحرقة، والحموضة، دائماً متعب، هذا مادة امتحان، هل تصبر؟ هناك امتحان بصحتك، ببيتك، بزوجتك، بأولادك، بأهلك، بمكانتك، بعصرك، نحن مبتلون، إننا في عصر الكفر فيه مسيطر، لا تسمع خبراً تنتعش فيه، دائماً قهر، هذا ابتلاء من الله، هناك أشخاص جاؤوا بعصر الإيمان فيه مسيطر، قبل عصور معينة المسلمون مسيطرون على ثلثي الكرة الأرضية، وكلمتهم هي العليا ونافذة، أي هذا الحديث له منطوق وله مفهوم:

((إن الله تعالى قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر عوضته منهما الجنة))

[البخاري عن أنس بن مالك ]

 هناك رواية في الترمذي:

((إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة))

العاقل من ضمّ الدنيا إلى الآخرة عند كل موازنة :

 أنا أعتقد عندما تضم الآخرة إلى الدنيا ترتاح كثيراً، مثل بسيط وفيه مفارقة حادة، مطعم بريف دمشق يبيع حمص، دخل هذا المطعم ربما يكفي صاحب المطعم بصعوبة، لكن صاحب هذا المطعم صائم مصي، عقيدته سليمة، على منهج الله قائم، ربى الأولاد تربية جيدة، أولاده من حفاظ كتاب الله، و هناك مطعم خمس نجوم، يبيع خمراً، غلته باليوم مليون ليرة، ليس هناك من مجال للموازنة، صاحب هذا المطعم أضف إلى الأول الجنة، أضف إلى الثاني النار، أيهما أربح وأنجح؟ الأول، في كل موازنة أضف الآخرة للدنيا، والله قال لي شخص: والله بخمسة و أربعين يوماً أرباح مقصف ثمانية ملايين ليرة، طبعاً فيه غناء، ورقص، وفيه طعام، وفيه خمر، وهناك إنسان لا يستطيع أن يُحصّل باليوم ألف ليرة، هل تريد أن تضيف الآخرة إلى الدنيا؟ إن أضفت الآخرة إلى الدنيا الأمر وضح تماماً.

الله عز وجل لا يحب كل مختال فخور :

 لذلك:

﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾

[ سورة القصص: 76-77]

 خرج على قومه بزينته، الإنسان حياناً يتزين يقول لك: هذه البذلة بيير كارديان، لست منتبهاً لها، تعود وتنتبه لها، ثمنها يقدر بثلاثين أو أربعين أو خمسين ألفاً:

﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القصص:79]

 لسان حال الناس كلهم، إن رأوا مركبة موديل هذه السنة، كاملة المواصفات تجدهم يتمنون لو كان لهم هذا:

﴿ يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾

[ سورة القصص:79-81]

العبرة لمن يضحك آخراً :

 

﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾

[ سورة القصص:83]

 العبرة لمن يضحك آخراً، إذاً الدنيا دار ابتلاء، فإنسان مبتلى بفقد البصر، قد يكون عند الله في أعلى مقام، مبتلى بمرض، مبتلى بعاهة، مبتلى بفقر، مبتلى من أسرة فقيرة جداً، مبتلى أحياناً بأولاد غير جيدين، بذل أقصى الجهد " وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ " ربنا عز وجل ذكر شيئاً وأراد كل شيء:

((إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة))

[ الترمذي عن أنس بن مالك]

((مَنْ أَذْهَبْتُ حَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ لَمْ أَرْضَ لَهُ ثَوَاباً دُونَ الْجَنّة))

[ الترمذي عن أبي هريرة]

((ما لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلاَّ الجَنَّةُ))

[ البخاري عن أبي هريرة رضي اللّه عنه ]

 لو عنده ولد غال جداً قال له: أتحبه؟ النبي رأى صحابياً معه ابنه وقد تعلق به كثيراً، قال له: أتحبه؟ قال: أحبك الله كما أحبه، فقد ابنه، فغاب عن الدروس، فالنبي تفقده واستدعاه وعزاه، قال له: أتحب أن يسبقك إلى الجنة فأي باب من أبوابها فتحها لك، قال: بلى يا رسول الله، قال: هو لك، هؤلاء الضعاف في الدنيا، الفقراء، المرضى، الناس الجهلة يقولون لك: مسكين، قد يكون هذا المسكين قلامة ظفره بالآخرة تساوي ألف غني، لكن العبرة بالموازين الإلهية، فهذه الدنيا دار ابتلاء، فيها فقر، فيها مرض، العبرة أن تقيّم الناس بإيمانهم، لا أن تقيّمهم بمالهم، قيّمهم بدينهم، باستقامتهم، بمعرفتهم لربهم، عندئذٍ تسارع إلى الله عز وجل.

 

باب الرفعة عند الله طاعته والإقبال عليه وخدمة خلقه :

 لذلك:

(( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِناً، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))

[أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري ]

((رب أشعث أغبر ذي طمرين، تنبو عنه أعين الناس، لو أقسم على الله لأبره))

[ الحاكم في المستدرك وأبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة ]

 رب أشعث أغبر ذي طمرين، أي ثيابه خشنة، أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب - لا أحد يستقبله - لو أقسم على الله لأبره، هناك الأتقياء الأخفياء الذين إذا دخلوا لم يعرفوا، وإذا غابوا لم يفتقدوا، منزلته في المجتمع ضئيلة جداً، لو حضر لا أحد ينتبه له، وإذا غاب لا أحد يتفقده، فالعبرة:

(( ابتغوا الرفعة عند الله))

[ ابن عدي في الكامل عن ابن عمر ]

 وباب الرفعة عند الله بين أيديكم، طاعته، والإقبال عليه، وخدمة خلقه، وإن الله سبحانه وتعالى:

﴿ لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴾

[ سورة الكهف:30]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور